نصائح لكتابة رواية مشوقة – الجزء الثاني
إذا كانت لديك القدرة على كتابة جملة بسيطة بلغتك. إذا كانت لديك رغبة صادقة لكتابة رواية تحقق أعلى مبيعات، إذاً فأنت تتمتع بكل مقومات الروائي. ومع ذلك لا أعتقد أن أي شخص يستطيع أن يكون روائياً بمجرد قراءته لكتاب أو مقال.
الكتابة تأتي من واعز داخلي ينطلق من إحساس الكاتب. لذا يجب أن تضع في الحسبان أن هذه السلسلة من المقالات لن تعلمك كيفية كتابة رواية لأن الكتابة لا تكتسب بالتعلم بل بالممارسة؛ دور هذه السلسلة يتلخص في توفير الآلية التي بها ستنظم وقتك، ستضعك على الطريق الصحيح، ستساعدك على كتابة رواية، لكنها لن تكتب الرواية نيابة عنك.
كيف تكتب رواية مشوقة؟
اليوم 11
ابدأ بالكتابة عما هو مألوف لديك، ليس شرطاً أن تبدأ كتابة الرواية من بدايتها، يمكنك الكتابة عن شخصية ما أو عن مكان معين في الرواية، فمن أسهل الأمور في كتابة الرواية هو الكتابة عن الشخصيات، الأماكن، والأشياء المعروفة لدينا.
اليوم 12
اختر شخصيات روايتك أولاً، فأصعب شيء في الرواية هو الاختيار الأمثل للشخصيات، فاختيار الشخصيات ورسمها أصعب بكثير من القصة نفسها، فمثلاً، الحبكة الدرامية للرواية ممكن تتغير أو لا تتغير أثناء تطور الرواية بعكس الشخصيات التي يجب أن تتطور عبر تتطور أحداث الرواية، فهم يعيشون حياة كالتي نعيشها، يؤثرون ويتأثرون بما يحيط بهم، وما يطرأ على حياتهم، فعلى الكاتب أن يعرف –في المواقف المختلفة- ما الذي ستفعله شخصية ما، وما الذي لا تفعله.
يقول الكاتب أوكلي هول:
على الكاتب أن يستمع لطلبات شخصياته، الذين يصرون في بعض الأحيان على الإتيان بفعل معين قد يخالف الفعل الذي رسمه الكاتب لهم مسبقاً.
اليوم 13
أحضر خمسة أو سبع بطاقات خالية، خصص بطاقة واحدة لكل شخصية، أكتب في أعلى البطاقة، الاسم المقترح للشخصية، ودوره في القصة، عمره، تعليمه، مكان ميلاده، تهوره، خفة ظله، مصيره، حماقته، وما هي الصفة المميزة له، فمثلاً هل يغسل يده خمسمائة مرة في اليوم، هل هي شخصية متناقضة تحب الأطفال، ورغم ذلك تستمتع بتعذيب الحيوانات.
أكتب كل تلك المعلومات، حتى تصل إلى صورة نهائية لكل شخصية، وتذكر أن هناك شخصيات رئيسية تتمحور حولها الرواية وهناك شخصيات ثانوية، لكن وجودهم أيضاً ضروري في دفع أحداث الرواية للأمام. أي شخصية في الرواية لا بد أن يكون لها سبب لوجودها، إن لم يتوفر هذا السبب ستصاب الرواية بالبطء وبالتالي فإن هذا البطء سيصيب القراء بالملل.
اليوم 14
كل رواية لا بد أن يكون لها تركيبة معينة فمثلاً رواية اللص والكلاب للأديب الكبير نجيب محفوظ تحتوي على معادلة من عشر خطوات هم على النحو الآتي:
- البطل (سعيد مهران) يسجن بسبب السرقة.
- البطل يعاني مرارة الخيانة وهو في السجن.
- الخيانة متعددة الأوجه
- خيانة عاطفية من (نبوية) زوجته.
- خيانة صديقه (عليش سدرة) الذي تزوج من زوجته وهو في السجن.
- خيانة (رؤوف علوان) الصحفي المثقف ومثله الأعلى الذي كان يبرر له سرقة الأغنياء.
- البطل (سعيد مهران) يدفعه الغل للانتقام.
- يجب على البطل أن يكون له حبيبه تهون عليه (نور بائعة الهوى)
- بائعة الهوى، على الرغم من أنها فتاة ليل إلا أنها مخلصة للبطل عن اقتناع (مقارنة بين الزوجة وبائعة الهوى)
- لم يتمكن البطل من الانتقام، بل قام بقتل أناس أبرياء بالخطأ ونتيجة ذلك محاولة هروبه من الكلاب (الكلاب هنا ليست كلاب البوليس فقط، بل أيضاً كلاب الخيانة وهم: نبوية، عليش، رؤوف).
ولمزيد من الإيضاح حول هذه التركيبة أو المعادلة ستناول تجربة الكاتب العالمي “إرنست همنجواي “. ففي بداية حياته العملية عمل مراسلاً صحفي لجريدة “كنساس سيتي ستار” وأثناء عمله أعطته إدارة الجريدة ورقة بها بعض التعليمات والنصائح عن الطرق المتبعة في الكتابة، كانت هذه الورقة بمثابة النموذج الذي اتبعه هيمنجواي طوال مشوار حياته الأدبي فيما بعد، والآن ماذا جاء بهذه الورقة:
- استخدم جملاً قصيرة
- -استخدم فقرات قصيرة
- استخدم لغة عميقة وسهلة
- كن إيجابياً ولا تكن سلبي
بعد عدة سنوات، حينما سأل عن هذه القواعد قال:
كانت تلك القواعد من أفضل القواعد التي تعلمتها طوال مشوار حياتي الأدبي، ولن أتخلى عنهم أبداً، فأي شخص يريد أن يعبر عما بداخله من خلال الكتابة لن ينجح إلا إذا التزم بهذه القواعد.
ملحوظة:
الترجمة هنا ترجمت بتصرف، فالكاتب الأصلي أعطى مثالاً من رواية “الوباء الحادي عشر” لكني رأيت أن من الأفضل إعطاء مثالاً من رواية عربية لتحقيق الأهداف المرجوة، فوقع اختياري على رواية “اللص والكلاب”.
اليوم 15
ارسم شخصيات روايتك والحبكة الدرامية في وقت متزامن، لا يمكنك رسم واحدة دون الأخرى، الشخصيات ليست مجرد دمى خشبية سقطت من السماء بطريقة فجائية، الحبكة والشخصيات عبارة عن عناصر درامية معقدة لذا يجب على الشخصيات أن تقوم بأفعال منطقية أو غير منطقية على حسب طبيعة الحبكة التي تصنعها، يجب أن تتحرك الشخصيات بصورة طبيعية إلى الذروة. بإيجاز لا توجد شخصيات مستقلة عن الحبكة الدرامية للرواية.
يقول علاء الأسواني كاتب عمارة يعقوبيان وشيكاغو ونيران صديقة:
لا بد أن يرى الأديب شخصياته ويصدّقها، وألا تخرج الكتابة بلا نبض، وهي مسألة أمانة، والشخصية من وجهة نظري تبنى عن طريق الخبرات الإنسانية، بالإضافة إلى الخيال. لنفرض أنني رأيت ثلاثة وزراء فاسدين والتقيتهم أكثر من مرة، فعندما تتناول شخصية وزير فاسد فلديك خبرتك ولديك خيالك أيضا للمساهمة في بناء شخصيته، حينما تناولت شخصية “حاتم رشيد” في عمارة يعقوبيان استعنت بصديق لي يعمل مدرس في جامعة حلوان، وكان يعمل ضابط شرطة من قبل وعندما كان ضابطاً مسؤولا بقسم قصر النيل قُتل محامٍ مشهور اسمه الرشيدي وكان شاذا جنسيا، فاستدعوا كل الشواذ للتحقيق معهم، فقدم لي خبرته في التحقيق مع 120 شاذا عن مفرداتهم وملامحهم وطرق صيدهم، وهكذا اعتمدت على البحث الروائي للحصول على المعلومات الخاصة بكل شخصية أو فئة في الرواية.
اليوم 16
يجب أن يصدق القارئ أن شخصياتك موجودة أو يمكن أن توجد – يتعين أن ترسم كل شخصية بشكل مميز ولا يوجد شيء يميز شخصية عن أخرى سوى أمرين:
- الأول هو الأفعال التي تصدر عن كل واحدة.
- الثاني هو الهدف من وجودها في الحياة. قد يكون الهدف من وجود الشخصية هو تمثيل الخير أو الشر – لا يهم فالأمر سيان- المهم أن يرى القارئ تصرفاتهم ويقتنع بها.
من ناحية أخرى لا تكتب قصة تحوي في طياتها آلاف الأبطال، بل أكتب قصة تدور حول شخصية أو شخصيتين أو ثلاث شخصيات محورية كل منها له غرض، وكل منها ممتلئ بالحياة.
اليوم 17
بطل قصتك يجب أن يكون قوياً، يجب أن يكون أكبر من الحياة، يجب أن تكون شخصيته راسخة في الرواية لأن البطل هو الشخصية التي ستقدمك وتقدم روايتك إلى الجمهور، ولكي يقوم بهذا الدور على أكمل وجه، عليك- من الآن فصاعداً- أن تعتبره رفيقك المخلص وصديقك الذي عثرت عليه منذ اللحظة التي أمسكت فيها بالقلم لتكتب روايتك الأولى.
اليوم 18
حدد الشخصيات التي تريدها أن تظهر في روايتك، كيف يتصرفون مع بعضهم البعض، وكيف يتصرفون مع الغير، ما مصيرهم في القصة، هل يسيرون معاً في مسار واحد، أم يا ترى يسلكون سبلاً شتى؟ أسأل نفسك: أيهما سيعجب القراء أكثر؟ الإجابة على هذا السؤال تعتبر بمثابة التجربة العملية التي بواسطتها ستتعرف على تطور شخصياتك ونموها تصاعدياً. هل سيهتم القارئ بهم؟ هل ستثير انتباهه؟
ولكي تنجح في رسم الشخصيات وصناعة الحبكة بدقة عليك أن تتبنى خيارات صعبة: يجب أن تكون قاسي القلب مع شخصياتك ومع قصتك.
من ستضم من شخصيات، ومن ستستبعد؟ وما الذي تكتبه عنهم وما الذي ستمحوه؟ تخيل نفسك مديراً فنياً لإحدى فرق كرة القدم اختر التشكيلة التي تؤمن بأنها المناسبة بغض النظر عن الأسماء الرنانة التي لم تعد تؤدي دوراً جيداً في الملعب!!!
ولا أخفي عليكم سراً!
معظم الروائيين الجدد – رغم موهبتهم- يفشلون في اختيار الشخصية وصناعة الحبكة، وذلك لأنهم ليس لديهم القدرة على الاختيار، كما أنهم يتيهون في الاحتمالات المتاحة، كن وحشياً لكي تهرب من سجن الخيارات المتاحة.
هذا لا يمنع أن تجرب بعض الخيارات، لكن عليك أن تجعل أحداث روايتك تتقدم للأمام بصورة منطقية، وعلى شخصياتك أن تتقدم للأمام بنفس سرعة تقدم الحدث كما يحدث في الحياة الواقعية.
فعلى سبيل المثال: إذا صدمت إحدى السيارات طفل، ومات على إثر هذا الحادث، فإن حياة السائق الذي صدمه ستتغير لا محالة، وحياة أسرة الطفل ستتغير أيضاً وحياة أصدقائه وجيرانه وحتى الناس الذين كانوا في مسرح الحادث سيتغير سلوكهم لا ريب.
اليوم 19
قبل أن تكتب أي حدث أو أي مشهد اسأل نفسك دائماً هذا السؤال (لماذا؟)، لماذا يقوم البطل بهذا العمل ولم يقم بسواه؟ أعطي للقارئ المبررات التي يجب أن تكون منطقية وإلا انفض الناس من حولك وتركوك قائما.
خصص لكل شخصية بطاقة ودون على كل واحدة منها كل صغيرة وكبيرة متعلقة بالشخصية ابتدئاً من مقاس الحذاء وحتى الألوان التي تفضلها، لا تظن أن طريقة البطاقات الملونة حكر على الأطفال لتشجيعهم على كتابة مواضيع الإنشاء المدرسية أو إنها الوسيلة التي يستخدمها الكتاب المبتدئون فقط، يكفي أن تعرف أن الكاتب الكبير (فلاديمير نابوكوف) رسم معظم شخصياته باستخدام البطاقات أيضاً.
لنشر روايتك على أمازون كيندل وسماش ووردز، تفضل بالاطلاع على خدامتنا في هذا الشأن من هنا
<< الجزء السابق – الجزء التالي >>
المصادر:
تم الاستعانة في كتابة محتوى هذا المقال بالعديد من المصادر على رأسها كتاب: how to write a novel in 100 days لجون كوين، بالإضافة إلى العديد من المقالات الصحفية واللقاءة التليفزيونية المسجلة مع كبار الكتاب في الوطن العربي.