من واقع خبرتي في كتابة الرواية، كيف تضمن نجاحًا مؤكدا لما تكتبه؟
لا بد أنك تقول الآن: يا للغرور! وهل يمكن لأحدٍ أن يضمن نجاحًا مؤكدًا لما يكتبه وبخاصة في مجال كتابة الرواية؟ والحقيقة يا صديقي، أن النجاح- وإن كانت وصفته غامضة فى الأغلب- له قواسم مشتركة في الأعمال التى تحقق قبولا لدي القرّاء.
لهذا تجد مثلا أن بعض دور النشر تهتم بنوعية معينة من الكتب؛ لأنها تروق لشريحة معينة من القرّاء، أو أنها تضع قواعد لما يُقدَّم لها، أو أنها تركز على مناطق معينة عندما تتم عملية التحرير؛ لأنه من أعمال سابقة قد تبين لها أن ذلك يحقق القبول لدي القرّاء.
لهذا يمكنك أن تعتبر أن سؤالي هذا فيه نوع من الوجاهة. أليس كذلك؟ فلنبدأ.
ما هو الوعاء المناسب لعملك؟
هذه نقطة مهمة جدًا. عندما تريد التكلم عن شيء ما؛ ما هو الوعاء المناسب له؟ قصة قصيرة، رواية، قصيدة؟
أصارحك أن أكثر ما يغيظنى عدم التحديد. تجد بعضهم يقوم بإصدار كتاب يجمع بين أشياء عديدة مختلفة؛ خواطر، قصص قصيرة، قصيدة شعر، وهي طريقة صبيانية وغير عملية بالمرة. قد تدلل على أن صاحب الكتاب موهوب بدون شك، لكن لماذا لم يصبر حتى ينتهي بشيء ما بعينه؛ مجموعة قصصية؛ رواية، أو ديوان شعر؟
ما الذي يجب أن يتذكرك به القاريء؟ قد يكون هذا التصرف مفهومًا عندما يقوم أحد الكُتَّاب الكبار بإصدار كتاب يحمل باكورة أعماله التى احتفظ بها في الدرج، كما فعل نجيب محفوظ عندما أخرج قصصه القصيرة التى كان يحتفظ بها، والتى استطاع نشرها بعد أن ذاع صيته كروائي، لكن ما الذي يجعلك واثقًا من أن القاريء سيعاملك بالمثل؟
إذن فى البداية عليك أن تحدد الوعاء.
فلنفرض أنك قررت أن يكون شكل كتابك عبارة عن (رواية)؛ هل تظن أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد؟
منْ سيقرأ روايتك؟
بعد أن عزمت على أن يكون كتابك في مجال الرواية؛ دعنى أوضح لك شيئا يا صديقي:
أغمض عينيك، وتخيّل أن روايتك معروضة الآن على أحدِ الأرفف بإحدي المكتبات، التى تهتم بعملية التصنيف؛ بمعني أن تضع هذه الرواية في قسم الفانتازيا، وتلك الرواية في قسم الخيال العلمي، وهكذا.
عندما تكون المكتبة مقسّمة بهذا الشكل؛ يسهل جدًا أن يتجه كل قاريء لقسمه المُفضَّل، ويبحث عما يريده.
وأنت تجلس إلى مكتبك الآن، وتعكف على كتابة مسودة روايتك؛ إلى أي التصنيفات روايتك هذه؟ هل هي رواية رومانسية، أم خيال علمي، أم فانتازيا، أم رواية تاريخية، أم ماذا؟
أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت بحذافيرها إليك؛ فكرة أن تركز على الشريحة المعينة التى ستقرأ روايتك، قطاع مُعين من القُرَّاء يهتم بالنوع الذي تكتب فيه.
سأعترف لك أني وقعتُ في هذا الخطأ عدة مرات من قبل. في بداية العقد الماضي (2012 أو 2013) كانت قد انتشرتْ حُمَّي كتابة روايات الرعب؛ فجربت أن أكتب رواية رعب اسمها (مخلب القرد الأحمر).
الحقيقة أني كتبتُ أول عشرة فصول فقط، وشعرتُ بالضجر، وقلتُ سأنشرها إلكترونيا، وسأرى ماذا تكون ردة فعل القًرَّاء لها. ما حدث أن الجزء الذي نشرته حاز على قبولٍ لا بأس، والبعض تحدث عن كوني أكتب الرعب، لكن بشكل مختلف.
الآن، صار قُرَّاء الفصول العشرة المنشورة ينتظرون التتمة، التى تدور فى نفس العالم الذي أعجبهم من قبل. الحقيقة أني لم أكن أعرف جيدًا تفاصيل التتمة. ربما كانت هناك فكرة ضبابية ما في ذهني عنها، لكنى كنتُ أتخبط في الظلام.
أخذتُ وقتا طويلا قبل أن أنفض الكسل عني، وأبدأ فى كتابة تتمة الجزء الذي نشرته من قبل. خمِّن ما حدث؟
لقد تطورت فكرة الرواية في ذهني، وشيئا فشيئا بدأتُ أكتب شيئا مغايرًا، لقد أخذت الرواية منحيً بعيدًا عن الرعب إلى حدٍ كبيرٍ، تختلط فيه الفانتازيا بالخيال العلمي أكثر. الحقيقة أن من كانوا ينتظرون أن يتطور الرعب لأكثر خاب أملهم إلى حدٍ كبيرٍ، بينما البعض أعجبه هذا التطور.
وهذا الخطأ لا يتعلق بالموضوع نفسه، لكنه يتعداه إلى اختيار العنوان، وهي نقطة في غاية الأهمية يا رفاق.
عندما اخترتُ اسم (مخلب القرد الأحمر) كان في ذهني قصة رعب مشهورة بعنوان (مخلب القرد)، وكل ما فعلته أني أضفت كلمة الأحمر؛ لتصف المخلب نفسه، ولأن من يقرأون الرعب يعرفون القصة القديمة- أو بعضهم لو شئنا الدقة-؛ فطبيعي أنهم ينتظرون شيئا ما، وقد وجدوه، في العشرة فصول الأولى على الأقل.
عندما كتبتُ رواية (طيفُ من أهوى) مستلهمًا العنوان من قصيدة (البُردة) الشهيرة للبوصيري، وتم نشرها ورقيًا، كانت ثمة مشكلة؛ فالرواية عنوانها يوحي بأنها رومانسية، وهي كذلك فعلا، لكنها في الواقع هي تميل أكثر للغموض والرعب.
هذا المزيج حيّر من يتقدم لشراء الرواية، برغم جودتها، والتى جعلت دار نشر تقبل نشرها برغم أنها نُشرت إلكترونيًا وبشكل مجاني.
نفس الأمر ينطبق على رواية (مطلوب عريس غير ممل)؛ إذ يوحي العنوان أنها مشابهة لكتاب (عايزة أتجوز) لغادة عبد العال، والحقيقة أن الرواية بعيدة تمامًا عن هذه التيمة، بل إنها مليئة بالمفاجآت غير المتوقعة، والمكتوبة في قالب يشوبه الغموض والتشويق.
العديد من القرّاء أخبروني بأن العنوان سيء لموضوع الرواية نفسه، أو على الأقل كان من الممكن اختيار عنوان أفضل.
ما أريد قوله: احرص أن يكون الموضوع متوافق مع الاسم، وضع تصنيفا معينا للرواية، بحيث يسهل تسويقها للشريحة التى تهتم بحبكة روايتك، وهو ما سأتكلم عنه بالتفصيل في مقالة متخصصة بتسويق روايتك؛ فانتظرها.
مفتاح النجاح المؤكد في كتابة الرواية
نعم، أؤكد لك أنه يوجد مفتاح لتحقيق النجاح المؤكد لروايتك، ألا وهو: حافظ على انتباه قارئك.
لا بد أن يكون القاريء منتبها عندما يقرأ روايتك، ويمكن تحقيق هذا عن طريق التالي:
- قدِّم شخصيات مثيرة للاهتمام، شخصيات واضحة غير مسطحة، واحرص أن يتعرض بعضها لبعض التحولات؛ بسبب ما يمرُّ به من أحداث وانعطافات. (لمزيد من التفصيل عن هذه النقطة يمكنك قراءة المقال التالي)
- احرص أن يكون هناك صراع ما، صراع بين الشخصيات، صراع بين الشخصيات وبين الطبيعة، صراع بين الشخصيات بينها وبين نفسها.
ما الذي جعل نبيل فاروق يحقق أسطورته ككاتب من وجهة نظري؟
الحقيقة أنه فعل ذلك لأنه كان يتبع تقنية (أسلوب القفلات/ Cliffhanger) وهو أن ينتهي كل فصل بشيء مشوّق، يجعل القاريء متوترًا وينتظر معرفة ما الذي حدث للبطل فى الفصل التالي، وهي تقنية لا تخيب فى الغالب.
ستجدها في الكثير من الروايات، والمسلسلات الأمريكية، وأتذكر في طفولتي أني كنتُ شأهد أحد المسلسلات الطويلة، والذي كان يتم تقسيم مشاهد الحلقة.
مثلا هنا يُفاجأ البطل بأن أخيه يرفع عليه السلاح، قطع، ثم نجد أنفسنا في مكان آخر، والبطلة معلقة من شجرة وتتعرض لخطر الموت، ثم نعود مرة أخرى للمشهد الذي قبل لنرى كيف يواجه الأخ الأول خطر الموت على يد أخيه الآخر. أنت هنا تحافظ على انتباه القاريء/ الحقيقة؛ بأن تعلقه بما يقرأ/ يرى. لهذا تسمع تعبيرات مثل “لقد شدّني هذا الفيلم أو المسلسل حتى أني لم أغادر مقعدي، أو لم أترك هذه الرواية من يدي حتى أنهيتها”.
ما أريد قوله: احرص على أن تجذب انتباه القاريء، وتضعه في بؤرة مشتعلة من الأحداث الغامضة، وقم بفك العقدة تلو العقدة، مع خلق صراعات مستمرة، تجعله لا يفقد انتباهه حتى يصل إلى النهاية.
لكن الأمر لم ينته بعد؛ فلم نتحدث عن الفضول الذي قتل القط!
الفضول قتل القط!
المثل الإنجليزي الشهير” الفضول قتل القط” من الأمثلة التى تدلل على ما يفعله الفضول بالمرء.
هل جربت أن تخبر صديقًا عن شيء ما دون أن تخبره بكافة التفاصيل؛ لا بد أنك رأيته وهو يتقافز من الفضول، ويلح عليك حتى تخبره بكافة التفاصيل.
ثمة قصة طريفة ومعبرة عن ملكٍ أتوا له بحلاق حتى يحلق له شعره. لكن توجد مشكلة صغيرة؛ أن الملك له أذنا حمار؛ لهذا تمّ التنبيه على الحلاق بألا يفشي السر لأحد؛ وإلا سيكون عقابه قطع رقبته.
بعد أن خرج الحلاق من عند الملك لم يحتمل، وحفر قبره بيده، ودلَّي جسده فيه، ثم راح يصرخ:
“الملك له أذنا حمار، الملك له أذنا حمار!”.
فنبتت ألف زهرة وراحت تصرخ هي الأخرى:
“الملك له اذنا حمار، الملك له أذنا حمار!”.
القصة رمزية ومكثفة، تؤكد لك أن السرّ يأكلنا في الداخل، ولن يستريح حتى يخرج. الفضول كذلك، فكرة أن أعطيك جزءًا من الحقيقة ثم أخبيء عنك البقية، هذا كفيلٌ بإصابتك بالغضب والجنون.
في نهاية روايتي (مطلوب عريس غير ممل) كان على البطلة أن تختار حبيبها من بين رجلين أمامها، وجعلتها تختار بالفعل، لكن دون أن أحدد منْ الذي ستختاره أمام القًرَّاء.
وصلتني رسائل من بعض من قرؤوا الرواية على بريدي الإلكتروني، وعلى الفيسبوك، يريدون معرفة من الذي اختارته البطلة؟
عندما نشرتُ جزءًا من نفس الرواية في البداية، الكثيرون كانوا يتساءلون عن موعد صدور التتمة.
إياك ان تُحبط القاريء بعدم وجود نهاية؛ هذا سيجعله يكرهك؛ لأنك لم ترو فضوله.
لهذا تنجح السلاسل. إنها تستحق اسمها عن جدارة؛ فبينما هي تتابع الحكاية المسلسلة، لكنها تُسلسل القاريء إليها بقيود متينة، حتى ينتهي منها، وأنت ومهارتك الإبداعية في خلق عالم مثير، يجعلني أطالبك بالمزيد.
وهذا ما جعل كاتبة أمريكية تقول في تدوينة لها بأن السلاسل تبيع.
لكن ما هو سر نجاح السلاسل؟
نأتي الآن للزيتونة، أو للسبب الذي جعلني أكتب هذه المقالة أصلا؛ ما الذي يجعل روايتك ناجحة؟
ختامه مسك: السرُّ الذي يجب أن تعرفه
والسر يا صديقي ببساطة متعلق بأنْ تعلقني ببطلك.
أن تجعلنى أرتبط به عاطفيًا. الإنسان مخلوق اجتماعي، من السهل جدًا أن يرتبط بشخص أو ينفر منه. هل تذكر شخصية سناب سيفيروس في سلسلة هاري بوتر، الذي جعلتنا مؤلفته رولينج نكرهه حتى الثمالة، ثم زاد كرهنا له عندما رأيناه يقتل العزيز دمبلدور بكل وحشية وقسوة في الكتاب السادس، ثم أحببناه ووقعنا في غرامه فى الكتاب السابع، عندما تبين لنا أن سناب سيفيروس من ألطف وأخلص البشر بما فعله؟!
لماذا نجحت شخصية رفعت إسماعيل كل هذا النجاح الكاسح، ولماذا راح القرّاء يتابعون حياته عبر عشرات الكُتيبات؟ لأنه قريب منهم، من همومهم، يشابههم، ولأنه من لحم ودم يخطيء كما نخطيء، ويضعف كما نضعف، ويموت كما سنموت.
سامية بطلة روايتي (مطلوب عريس غير ممل) فتاة عادية، متعلقة بحب شاب تعرفت عليه على الإنترنت، دون أن تقابله فى الواقع، ثم يظهر في حياتها شاب آخر، وتحت ضغط الأهل توافق عليه، ثم فجأة يظهر حبيبها القديم. هذه مشكلة قد تتعرض لها بعض الفتيات؛ مسألة الاختيار، وأيهما أكثر صدقا الواقع أم ما نتخيله؟
لو أردت لروايتك أن تنجح اربطني بشخصياتك، واجعلني أحبها؛ أفرح لأفراحها، وأحزن لأحزانها، وأشعر بالقلق عليها، ويهمنى أن أعرف المزيد عنها في كتب متتالية.
لهذا تنجح الروايات؛ لهذا تنجح السلاسل؛ لهذا يمكنك أن تحقق النجاح يا صديقي.
اقرأ أيضاً:
- قواعد وأصول الكتابة الساخرة، كيف تُضحك قُراءك وتُعلمهم في نفس الوقت؟
- 41 مثالًا من الأخطاء اللغوية الشائعة من واقع تجربتي في تدقيق الكتب والمقالات
- ترجمة رواية من العربية إلى الإنجليزية فكرة مربحة لكن بشرط!
- القواعد العشر لتحرير الرواية أو القصة القصيرة طبقاً للروائي الشاب عارف فكري
- قبل أن تشرع في كتابة روايتك الأولى، إليك قائمة أشهر الروايات العالمية والعربية التي تستحق القراءة. بجانب المتعة، ستتعلم منها أيضاً.
- كيف تكتب وصف الكتاب؟ سترتفع مبيعات كتابك بعد مشاهدة هذا الفيديو